الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
الوجه الثاني:من غلط المرجئة: ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط، دون أعمال القلوب؛ كما تقدم عن جهمية المرجئة. الثالث:ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاماً بدون شيء من الأعمال؛ ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه، بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له. والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر؛ ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا: رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر، وهو لا يسجد للّه سجدة، ولا يصوم رمضان، ويزني بأمه وأخته، ويشرب الخمر نهار رمضان، يقولون: هذا مؤمن تام الإيمان، فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار. قال أحمد بن حنبل: حدثنا خَلَف بن حَيَّان، حدثنا مَعْقِل بن عبيد اللّه العبسي قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فنفر منه أصحابنا نفوراً شديداً،منهم ميمون بن مِهْران، وعبد الكريم بن مالك، فإنه عاهد اللّه/ ألاّ يؤويه وإياه سقف بيت إلا المسجد، قال معقل: فحججت فدخلت على عطاء بن أبي رَبَاح في نفر من أصحابي وهو يقرأ /قال مَعْقِل: فلقيت الزهري فأخبرته بقولهم. فقال: سبحان اللّه ! وقد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول اللّه صلىالله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) قال معقل: فلقيت الحكم بن عتبة فقلت له: إن عبد الكريم وميموناً بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة،فعرضوا بقولهم عليك فقبلت قولهم،قال: فقبل ذلك على ميمون، وعبد الكريم ؟! لقد دخل علي اثنا عشر رجلاً وأنا مريض، فقالوا: يا أبا محمد،بلغك أن رسول اللّه صلىالله عليه وسلم أتاه رجل بأمة سوداء، أو حبشية، فقال: يا رسول اللّه، على رقبة مؤمنة، أفترى هذه مؤمنة؟ فقال لها رسول اللّه صلىالله عليه وسلم:(أتشهدين أن لا إله إلا اللّه؟).فقالت: نعم. قال:(وتشهدين أن محمداً رسول اللّه؟).قالت: نعم، قال: (وتشهدين أن الجنة حق والنار حق).قالت: نعم، قال:(وتشهدين أن اللّه يبعثك من بعد الموت؟). قالت: نعم، قال: (فأعتقها فإنها مؤمنة)، فخرجوا وهم ينتحلون ذلك.قال معقل: ثم جلست إلى ميمون بن مِهْران، فقلت:يا أبا أيوب، لو قرأت لنا سورة ففسرتها، قال: فقرأ وروى البغوي عن عبد اللّه بن محمد عن ابن مجاهد قال: كنت عند عطاء بن أبي رَبَاح، فجاء ابنه يعقوب فقال: يا أبتاه، إن أصحاباً لي يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل، فقال: يا بني،ليس إيمان من أطاع اللّه كإيمان من عصى الله. قلت: قوله عن المرجئة: إنهم يقولون: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قد يكون قول بعضهم، فإنهم كلهم يقولون: ليستا من الإيمان، وأما من الدين فقد حكى عن بعضهم أنه يقول: ليستا من الدين، ولا نفرق بين الإيمان والدين، ومنهم من يقول: بل هما من الدين ويفرق بين اسم الإيمان واسم الدين، وهذا هو المعروف من أقوالهم التي يقولونها عن أنفسهم. ولم أر أنا في كتاب أحد منهم أنه قال: الأعمال ليست من الدين، بل يقولون:ليست من الإيمان، وكذلك حكى أبو عبيد عمن ناظره منهم، فإن أبا عبيد وغيره يحتجون بأن الأعمال من الدين، فذكر قوله: قلت: هذا الذي قاله هذا هو مذهب القوم، قال أبو عبيد: وهذا غير ما نطق به الكتاب، ألا تسمع إلى قوله: وقال الشافعي ـ رضي اللّه عنه ـ في كتاب [الأم] في [باب النية في الصلاة]: يحتج بألا تجزئ صلاة إلا بنية بحديث عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ عن النبي صلىالله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات) ثم قال: وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر. وقال حنبل: حدثنا الحميدي قال: وأخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئًا حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصُّرَاح، وخلاف كتاب اللّه وسنة رسوله وعلماء المسلمين، قال اللّه تعالى: قلت: وأما احتجاجهم بقوله للأمة:(اعتقها فإنها مؤمنة) فهو من حججهم المشهورة، وبه احتج ابن كُلاَّب، وكان يقول: الإيمان هو التصديق والقول جميعاً، فكان قوله أقرب من قول جهم وأتباعه، وهذا لا حجة فيه؛ لأن/ الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة، فإن المنافقين الذين قالوا: وقد تنازع الفقهاء في المنافق الزنديق الذي يكتم زندقته، هل يَرِث ويُورَث؟ على قولين، والصحيح:أنه يرث ويُورَث وإن علم في الباطن أنه منافق، كما كان الصحابة على عهد النبي صلىالله عليه وسلم؛لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته،والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهره من موالاة المسلمين فقول النبي صلىالله عليه وسلم:(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) لم يدخل فيه المنافقون وإن كانوا في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، بل كانوا يُورَثون ويَرِثون، وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين، وقد أخبر اللّه عنهم أنهم يصلون ويزكون ومع هذا /لم يقبل ذلك منهم فقال: وفي الصحيحين عن زيد بن أرقم قال: خرجنا مع النبي صلىالله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيها شدة، فقال عبد اللّه بن أُبَيّ لأصحابه: لا تنفقوا على مَنْ عند رسول اللّه حتى ينفضُّوا من حوله، وقال: وبهذا يظهر الجواب عن شبهات كثيرة تورد في هذا المقام، فإن كثيراً من المتأخرين ما بقى في المظهرين للإسلام عندهم إلا عدل أو فاسق، وأعرضوا عن حكم المنافقين، والمنافقون ما زالوا ولا يزالون إلى يوم القيامة، والنفاق شعب كثيرة، وقد كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم. ففي الصحيحين عن النبي صلىالله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّثَ كذب، وإذا وَعَدَ أخْلَف،وإذا ائْتُمِنَ خان)، وفي لفظ مسلم:(وإن صام وصلَّى وزَعَم أنه مسلم) وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه شُعْبَة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يَدَعَها: إذا حَدَّث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غَدَرَ، وإذا خاصم فَجَرَ). وكان النبي صلىالله عليه وسلم أولاً يصلي عليهم ويستغفر لهم، حتى نهاه اللّه عن ذلك فقال: فكان حكمه صلىالله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم،لا يستحل منها شيئًا إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم، وفيهم من لم يكن يعلم نفاقه، قال تعالى: /واللّه ـ تعالى ـ لما أمر في الكفارة بعتق رقبة مؤمنة،لم يكن على الناس ألا يعتقوا إلا من يعلموا أن الإيمان في قلبه، فإن هذا كما لو قيل لهم: اقتلوا إلا من علمتم أن الإيمان في قلبه. وهم لم يؤمروا أن ينقبوا عن قلوب الناس ولا يشقوا بطونهم، فإذا رأوا رجلاً يظهر الإيمان جاز لهم عتقه، وصاحب الجارية لما سأل النبي صلىالله عليه وسلم: هل هي مؤمنة؟ إنما أراد الإيمان الظاهر الذي يفرق به بين المسلم والكافر، وكذلك من عليه نذر، لم يلزمه أن يعتق إلا من علم أن الإيمان في قلبه، فإنه لا يعلم ذلك مطلقاً، بل ولا أحد من الخلق يعلم ذلك مطلقاً. وهذا رسول اللّه صلىالله عليه وسلم أعلم الخلق،واللّه يقول له: ولهذا لما كشفهم اللّه بسورة براءة بقوله:{منهم}،{منهم} صار يعرف نفاق ناس منهم لم يكن يعرف نفاقهم قبل ذلك، فإن اللّه وصفهم بصفات علمها الناس منهم، وما كان الناس يجزمون بأنها مستلزمة لنفاقهم، وإن كان بعضهم يظن ذلك وبعضهم يعلمه، فلم يكن نفاقهم معلوماً عند الجماعة، بخلاف حالهم لما نزل القرآن؛ ولهذا لما نزلت سورة براءة كتموا النفاق وما بقى يمكنهم من إظهاره أحياناً ما كان يمكنهم قبل ذلك، وأنزل اللّه تعالى: والزنديق: هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق، قالوا: ولا تعلم توبته؛ لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق، ولو قبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيل إلى تقتيلهم، والقرآن قد توعدهم بالتقتيل. والمقصود أن النبي صلىالله عليه وسلم إنما أخبر عن تلك الأمة بالإيمان الظاهر الذي علقت به الأحكام الظاهرة،وإلا فقد ثبت عنه أن سعداً لما شهد لرجل أنه مؤمن قال:(أو مسلم) وكان يظهر من الإيمان ما تظهره الأَمَة وزيادة، فيجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب؛ فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن/ يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكَرَّامية الذين يسمون المنافق مؤمناً ويقولون: الإيمان هو الكلمة، يقولون: إنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان الباطن. وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا في الاسم لا في الحكم بسبب شبهة المرجئة؛ في أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل؛ ولهذا أكثر ما اشترط الفقهاء في الرَّقَبَةِ التي تجزئ في الكفارة العمل الظاهر، فتنازعوا:هل يجزئ الصغير؟ على قولين معروفين للسلف، هما روايتان عن أحمد، فقيل: لا يجزئ عتقه؛ لأن الإيمان قول وعمل، والصغير لم يؤمن بنفسه إنما إيمانه تَبَعٌ لأبويه في أحكام الدنيا، ولم يشترط أحد أن يعلم أنه مؤمن في الباطن، وقيل: بل يجزئ عتقه؛ لأن العتق من الأحكام الظاهرة وهو تبع لأبويه، فكما أنه يرث منهما ويصلي عليه، ولا يصلي إلا على مؤمن، فإنه يعتق. وكذلك المنافقون الذين لم يظهروا نفاقهم، يصلى عليهم إذا ماتوا، ويدفنون في مقابر المسلمين من عهد النبي صلىالله عليه وسلم، والمقبرة التي كانت للمسلمين في حياته وحياة خلفائه وأصحابه يدفن فيها كل من أظهر الإيمان وإن كان منافقاً في الباطن، ولم يكن للمنافقين مقبرة يتميزون بها عن المسلمين في شيء من ديار الإسلام، كما تكون لليهود والنصارى مقبرة يتميزون بها، ومن دفن في مقابر المسلمين صلى عليه المسلمون، والصلاة لا تجوز على من علم نفاقه بنص القرآن، فعلم أن ذلك بناء على الإيمان الظاهر، واللّّه يتولى السرائر، وقد كان النبي/ صلىالله عليه وسلم يصلي عليهم ويستغفر لهم حتى نهى عن ذلك، وعلل ذلك بالكفر، فكان ذلك دليلا ًعلى أن كل من لم يعلم أنه كافر بالباطن جازت الصلاة عليه والاستغفار له، وإن كانت فيه بدعة، وإن كان له ذنوب. وإذا ترك الإمام، أو أهل العلم والدين الصلاة على بعض المتظاهرين ببدعة أو فجور زجراً عنها، لم يكن ذلك محرماً للصلاة عليه والاستغفار له، بل قال النبي صلىالله عليه وسلم فيمن كان يمتنع عن الصلاة عليه ـ وهو الغَالُّ وقاتل نفسه والمَدِين الذي لا وفاء له ـ: (صلوا على صاحبكم).وروى أنه كان يستغفر للرجل في الباطن وإن كان في الظاهر يدع ذلك زجرًا عن مثل مذهبه، كما روى في حديث مُحَلِّم بن جَثَّامة. وليس في الكتاب والسنة المظهرون للإسلام إلا قسمان: مؤمن أو منافق، فالمنافق في الدرك الأسفل من النار، والآخر مؤمن، ثم قد يكون ناقص الإيمان فلا يتناوله الاسم المطلق، وقد يكون تام الإيمان، وهذا يأتي الكلام عليه ـ إن شاء اللّه ـ في مسألة الإسلام والإيمان، وأسماء الفساق من أهل الملة، لكن المقصود هنا أنه لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا ببدعة ابتدعها ـ ولو دعا الناس إليها ـ كافراً في الباطن، إلا إذا كان منافقاً. فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول وما جاء به وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع، فهذا ليس بكافر أصلاً، والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالاً للأمة وتكفيراً لها، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا/فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكـرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع. وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة، من كان منهم منافقاً فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقاً، بل كان مؤمنا باللّه ورسوله في الباطن، لم يكن كافراً في الباطن، وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه؛ وقد يكون في بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال: إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة،فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ـ رضوان اللّه عليهم أجمعين ـ بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة، وإنما يكفر بعضهم بعضاً ببعض المقالات، كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع. وإنما قال الأئمة بكفر هذا؛ لأن هذا فرض ما لا يقع، فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئًا مما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة، ونكاح الأمهات، وهو مع ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه؛ ولهذا كان أصحاب أبي حنيفة يكفرون أنواعاً ممن يقول كذا وكذا؛ لما فيه من الاستخفاف، ويجعلونه مرتداً ببعض هذه الأنواع مع النزاع اللفظي الذي بين أصحابه وبين الجمهور في العمل: هل هو داخل في اسم الإيمان/ أم لا؟ ولهذا فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهي: أن الرجل إذا كان مقراً بوجوب الصلاة فدعى إليها وامتنع، واستتيب ثلاثا مع تهديده بالقتل فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقًا ؟ على قولين. وهذا الفرض باطل، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن اللّه فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها ويصبر على القتل، ولا يسجد للّه سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، لا ينتهي الأمر به إلى القتل، وسبب ذلك: أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين حقاً أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطناً وظاهراً، فلا يكون فعل الصلاة أصعب عليه من احتمال القتل قط. ونظير هذا لو قيل: إن رجـلاً من أهل السنة قيل له: تَرَضَّ عن أبي بكر وعمر فامتنع عن ذلك حتى قتل مع محبـته لهما واعتقاده فضلهما، ومع عدم الأعذار المانعة من الترضي عنهما، فهذا لا يقع قط. وكذلك لو قيل: إن رجلاً يشهد أن محمداً رسول اللّه باطنا وظاهراً وقد طلب منه ذلك، وليس هناك رهبة ولا رغبة يمتنع لأجلها، فامتنع منها حتى قتل، فهذا يمتنع أن يكون في الباطن يشهد أن محمداً رسول اللّه؛ ولهذا كان القول الظاهر من الإيمان الذي لا نجاة للعبد إلا به عند عامة السلف والخلف من الأولين والآخرين إلا الجهمية ـ جَهْماً ومن وافقه ـ فإنه إذا قدر أنه معذور لكونه أخرس، أو لكونه خائفاً من قوم إن/أظهر الإسلام آذوه ونحو ذلك، فهذا يمكن ألا يتكلم مع إيمان في قلبه، كالمكره على كلمة الكفر، قال اللّه تعالى: فإن قيل: فقد قال تعالى:
|